تحتل مدينة جدة الواقعة في المملكة العربية السعودية مكانة مرموقة في العالم ككل وفي العالم الإسلامي خاصة؛ بسبب مكانتها الجغرافية والاقتصادية، وبسبب اعتبارها بوابةً إلى مدينة مكة المكرمة، التي تعتبر مدينة جدة متنفسًا لها أيضًا، ولم تحظَ مدينة جدة بالتوثيق والتأريخ اللذان تستحقهما؛ بسبب وقوعها تحت ظل مدينة مكة، وهذا ما جعلها مختلفةً من هذه الناحية عن بقية المدن الكبرى مثل القاهرة ودمشق وفاس وسمرقند وغيرها، وعلى الرغم من ذلك، لم تخلُ كتب الرحالة والمؤرخين المسلمين وغير المسلمين من ذكر مدينة جدة، الذين تعددت أسباب زيارتهم لها بين غاياتٍ دينية وغاياتٍ سياسية.[١]


تاريخ مدينة جدة

جدة في العصور القديمة

فيما يلي توضيح لتاريخ مدينة جدة في العصور القديمة وما قبل ظهور الإسلام:

  • يشير بعض المؤرخين إلى أنّ قبيلة قضاعة قد أسست مدينة جدة، وقد عاشت هذه القبيلة في العام 115 ق.م، وتذكر بعض الروايات التاريخية الأخرى أنّ تاريخ جدة يعود إلى ما قبل الإسكندر الكبير، الذي زار المدينة في الأعوام بين 323-356 ق.م.[٢]
  • من جهة أخرى، تقترح بعض الدراسات أنّ تاريخ مدينة جدة يعود إلى ما يقارب 3000 عام، عندما تم تأسيسها من قبل مجموعة من الصيادين الذين كانوا يصطادون في البحر الأحمر، وقد اتخذوا مدينة جدة مقرًا للراحة والتجارة بعد العودة من رحلات الصيد.[٣][٢]
  • استنتجت دراسات بعض علماء الآثار أنّ البشر سكنوا مدينة جدة منذ العصر الحجري؛ فقد تمّ العثور على بعض القطع الأثرية والكتابات الثمودية في وادي بريمان شرق جدة ووادي بويب شمال شرق جدة.[٢]
  • تتبع بعض المؤرخين تأسيس مدينة جدة ونسبوها إلى قبيلة بني قضاعة العربية القديمة، التي سكنت جدة بعد انهيار سد مأرب في العام 115 ق.م.[٢]
  • يعتقد البعض أنّ جدة كانت مأهولة قبل قبيلة بني قضاعة بصيادي البحر الأحمر، الذين اتخذوها مركزًا للانطلاق إلى البحر.[٤]
  • يُذكر أيضًا أنّ سيد مكة في الجاهلية عمرو بن لحي الخزاعي قد أخبره قرينه من الجن عن أصنام قوم نوح المدفونة في مدينة جدة، وهي ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وقد ذهب عمرو لاستخراجها، ثمّ وضعها في الكعبة، وتمّ توزيعها في موسم الحج على القبائل لتأخذها لديارها ليعبدوها؛ وهكذا أدخل عبادة الأوثان إلى الجزيرة العربية لتحل بدلاً من دين إبراهيم عليه السلام.[٥]


جدة في العصور الإسلامية

فيما يلي توضيح لتاريخ مدينة جدة في العصور الإسلامية:[٦][٧]

  • اختار الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- مدينة جدة في العام 647م لتكون ميناءً رئيسيًا لدخول مكة المكرمة والوصول إليها بحرًا، وقد كانت جدة تسمى في ذلك الوقت "بلد القناصل".
  • ذكر ابن جبير وابن بطوطة في أسفارهما أنهما زارا مدينة جدة، وقد تميزت بطرازها المعماري الفارسي، وقد وصفها المقدسي البشاري في كتابهِ "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" أنها مدينة آمنة، مكتظة بالأثرياء والتجار، وفيها مسجدٌ سري، لكن سكانها يجدون صعوبة في توفير المياه على الرغم من كثرة البرك فيها، وغالبًا ما يُحمل إليهم الماء، كما أنّ أغلب سكانها من الفرس، ويعيشون في قصورٍ رائعة، وقد ذكر أيضًا أنّ للمدينة أزقة مستقيمة بحالةٍ جيدة؛ لكن درجات الحرارة ترتفع فيها بشدة.
  • خضعت جدة لاحقًا لحكم السلالات المسلمة المتعاقبة، بما فيهم الأمويون، ثم العباسيون، فالأيوبيون، وأخيرًا المماليك.
  • خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر، أصبحت المماليك قوة مهيمنة، وامتد نفوذهم إلى الحجاز ومكة المكرمة، وفي منتصف القرن الخامس عشر، تولى المماليك مسؤولية الأعمال في مدينة جدة، باعتبار أنها ميناءٌ لمكة المكرمة.
  • عمل المماليك في تلك الفترة على بسط نفوذهم في مدينة جدة لتأمين طرق التجارة والحج، ولحماية الحرمين الشريفين، وقد عين السلطان المملوكي آنذاك حاكمًا عامًا على المدينة، وسمي صاحب هذا المنصب "نائب جدة"، وكان مقر إقامتهِ مشرفًا على الميناء ليطلع عن كثب على مجريات العمل فيه.
  • أصدر السلاطين المماليك عددًا من القرارات التي من شأنها الترويج لاستخدام ميناء جدة، وكان من أهم هذه القرارات تخفيض الرسوم الجمركية، ومنع تجار مصر وبلاد الشام من التوقف في ميناء عدن، إضافة إلى رفع الرسوم الجمركية على التجار الذين ينزلون في ميناء عدن قبل الوصول إلى ميناء جدة.
  • في العام 1509م، بنى السلطان المملوكي قانصوه الغوري "سور جدة" لحماية المدينة من هجمات السفن الأوروبية التي بدأت بمهاجمة جدة بعد وصول العثمانيين، وقد كان قانصوه الغوري آخر المماليك السلاجقة الذي حكموا جدة في القرن العاشر الهجري.
  • تذكر بعض المصادر التاريخية أنّ مدينة جدة ظلت مستقلة في الحكم لمعظم القرن الخامس عشر الميلادي، حتى خضعت لاحقًا للحكم العثماني.
  • وعن مدينة جدة في تلك الفترة، فقد ذكر الرحالة المغربي ابن بطوطة عنها أنها مدينة قديمة تقع على ساحل البحر، وكان الحجاج يطلبون الماء فيها من سكان بيوتها.


جدة تحت الحكم العثماني

فيما يلي توضيح لتاريخ مدينة جدة في الفترة التي حكمها فيها العثمانيون:[٨][٩]

  • استمر حكم العثمانيين القاسي لأربعمائة عام.
  • في العام 931 هـ، أعلن الشريف بركات، شريف الحجاز ومناطقه بما في ذلك مدينة جدة، ولاءه للخلافة العثمانية.
  • تعرضت مدينة جدة في بداية الحكم العثماني لعدة هجمات في القرن السادس عشر الميلادي (القرن العاشر الهجري)، وتعرضت أيضًا لغارات في القرن السابع عشر الميلادي.
  • طرأ تغيير محوري في تاريخ المدينة، ويرتبط بتطور حركة الإصلاح التي امتدت في الحجاز بأكملهِ في العام 1806م.
  • في العام 1869م، تمّ افتتاح قناة السويس؛ الأمر الذي مثّل بداية مرحلة جديدة لنمو مدينة جدة والمناطق المحيطة بها، خاصة مع ظهور السفن البخارية.
  • بقيت جدة تحت الحكم العثماني حتى عام 1916م.


مدينة جدة في العصور الحديثة

فيما يلي توضيح عن مدينة جدة في العصور الحديثة:[٩][١٠]

  • بعد نجاح الثورة العربية الكبرى، أصبحت مدينة جدة العاصمة التجارية لمملكة الحجاز التي لم تدم طويلاً.
  • في شهر ديسمبر من العام 1925م، أصبحت مدينة جدة تحت حكم آل سعود.
  • وفي العام 1926م، تمّ تتويج عبدالعزيز بن سعود في مدينة مكة كملكٍ على الحجاز، وأعلن توحيد حكمهِ باسم المملكة العربية السعودية، وأصبح هو أول ملوكها، إضافة لمنصبهِ كسلطانٍ على نجد.
  • بعد الحرب العالمية الثانية، خضعت مدينة جدة لتحديثات واسعة النطاق، وتمّ توسيعها بفضل عائدات النفط التي شكلت مصدر ثروة جديدة للمملكة العربية السعودية؛ فقد تمّ زيادة عمق مينائها وتوسيعهِ لاستيعاب السفن الكبيرة، كما تمّ إنشاء محطة لتحلية المياه في أوائل السبعينات من القرن الماضي.[١١]
  • في السابق، كان اقتصاد المدينة يعتمد على نفقات الحجاج وصيد الأسماك، وتمّ العمل على تحسينه، وتطوير النشاطات الاقتصادية فيه، لتشمل درفلة الحديد الصلب، ومصافي النفط، وتصنيع الأسمنت، والملابس، والفخار، بالإضافة لنشاطات أخرى مثل تربية الماشية وتصنيع منتجات الألبان وغيرها من الصناعات الصغيرة.[١١]
  • كانت مدينة جدة العاصمة الدبلوماسية للمملكة، وكانت تضم مقر وزارة الخارجية السعودية وسفارات وبعثات الدول الأجنبية، قبل أن يتم نقلها جميعًا إلى العاصمة الرياض في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.[١١]
  • تم تأسيس جامعة الملك عبدالعزيز في جدة في العام 1967م لتقدم التعليم في مجالات الاقتصاد والإدارة، كما أنّ المدينة مخدومة بالطرق السريعة المؤدية إلى مكة والمدينة ومطار الملك عبدالعزيز الدولي.[١١]
  • تعتبر جدة اليوم المدينة الأكثر راحةً ومتعة في المملكة العربية السعودية، وتحتوي مزيجًا متنوعًا من السكان والوافدين، وهي الدولة المائة في ترتيب مدن العالم الأكبر مساحة.[١٢]


معالم مدينة جدة التاريخية

منطقة جدة التاريخية

من أهم ما يُذكر عنها:[١٣]

  • تشتهر جدة التاريخية بسورها الشهير الذي له سبع بوابات قديمة، هي: باب المدينة، وباب جديد، وباب مكة، وبابا النافعة، وباب الصبة، وباب الشريف، وباب المغاربة وباب البنط.
  • يعكس الطراز المعماري لجدة التاريخية التراث الأصيل للمملكة، وتتميز مساكنها القديمة بمتانتها وقدرتها على التحمل.
  • تنقسم جدة التاريخية إلى أربع مناطق رئيسية، هي: حارة الشام (في الشمال)، وحارة اليمن (في الجنوب)، وحارة البحر، وحارة المظلوم، التي سميت نسبةً إلى عبد الكريم البرزنجي.[١٤]


المساجد في جدة

من أهمها:[١٥]

  • مسجد الشافعي: يقع في حارة المظلوم، ويعتقد أنّ منارته قد بنيت في القرن الثالث عشر الميلادي، ويتميز بوسطهِ المكشوف.
  • مسجد عثمان بن عفان: يسمى أيضًا "مسجد الأبنوس"؛ بسبب وجود ساريتين مصنوعتان من خشب الأبنوس فيه، ويعلو هذا المسجد مئذنة ضخمة، وقد تمّ بناؤه خلال القرنين التاسع والعاشر الهجريين.
  • مسجد المعمار: سمي نسبة لمصطفى معمار باشا، الذي كان عثمانيًا، وكان يصلي في الجامع بانتظام، ويتميز هذا المسجد بكبر مساحتهِ وارتفاعهِ عن مستوى الشارع.


الأسواق في جدة

من أهمها:[١٦]

  • السوق الكبير: يتخصص هذا السوق ببيع الأقمشة المختلفة، في محلاتهِ الكبيرة والصغيرة.
  • سوق الندى: تبيع معظم المحلات فيه الأحذية.
  • سوق البدو: يقع في باب مكة، ويتخصص ببيع مستلزمات البدو المتنوعة.
  • سوق السبحية: كانت المسابح تصنع وتباع فيه.
  • سوق البرادعية: تخصص التجار فيه بصناعة براذع (الجلس الذي يوضع على ظهر الدابة) الحمير والبغال، إضافة لسروج الخيل.


تسمية مدينة جدة

من أهم النظريات التي تتعلق بتسمية مدينة جدة:[١٧]

  • جُدّة: يذكر ياقوت بن عبد الله الحموي في كتابهِ "معجم البلدان" أنّ تسمية المدينة مأخوذة من كلمة جُدّة (بضم الجيم)، والتي تشير إلى بلدِ يقع على ساحل بحر اليمن، وتعني شاطئ البحر.[١٨]
  • جِدّة: تشير نظرية أخرى إلى أنّ اسم المدينة مأخوذ من اسم شيخ قبيلة قضاعة، واسمه جِدّة بن جرم بن ريان بن حلوان بن علي بن إسحاق بن قضاعة، وجِدة هنا بكسر الجيم.
  • جَدّة: بالمقابل، هناك من يرى أنّ اسم المدينة مأخوذ من كلمة "جَدّة"، والتي تعني والدة الأب أو الأم؛ وفي هذا إشارة لتكون هذه الجَدّة (بفتح الجيم) التي سميت المدينة نسبةً لها حواء زوجة آدم عليهما السلام، والتي تعتبر أم البشر، ويقال أنّ حواء نزلت بمدينة جدة بعد هبوطها وآدم من الجنة، بينما نزل آدم في الهند، والتقيا عند جبل عرفات، كما يعتقد أنها دفنت في جدة، حيث يوجد في المدينة مقبرة معروفة تسمى "مقبرة أمنا حواء".


المراجع

  1. حسنة الغامدي وطارق العجال، التاريخ الشفوي لمدينة جدة في القرنين التاسع عشر والعشرين: دراسة توثيقية تحليلية، صفحة 298. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث Nasser bin Ali al Amari, (2) Article 4.pdf Jeddah City during Pre Islamic Period: A Historical Study, Page 33. Edited.
  3. "نشأة مدينة جدة"، أمانة جدة، اطّلع عليه بتاريخ 11/8/2021. بتصرّف.
  4. Nasser bin Ali al Amari, (2) Article 4.pdf Jeddah City during Pre Islamic Period: A Historical Study, Page 33-34. Edited.
  5. "HOW IDOLS FOUND PLACE IN THE KA’ABA DURING PRE-ISLAMIC ERA??", islamreigns.wordpress, Retrieved 11/8/2021. Edited.
  6. "Jeddah", islamictravel, Retrieved 11/8/2021. Edited.
  7. "Arabia since the 7th century", britannica, Retrieved 11/8/2021. Edited.
  8. "Jeddah", islamictravel, Retrieved 11/8/2021. Edited.
  9. ^ أ ب Nasser bin Ali al Amari, (2) Article 4.pdf Jeddah City during Pre Islamic Period: A Historical Study, Page 32-33. Edited.
  10. Thomas L Webber, "The Last American in Damascus: An Autobiography", books.google, Retrieved 11/8/2021. Edited.
  11. ^ أ ب ت ث "Jeddah", britannica, Retrieved 11/8/2021. Edited.
  12. "Jeddah City", hmg, Retrieved 11/8/2021. Edited.
  13. "Historic Jeddah.. The Enchanting Pearl of Saudi Arabia", ajel, Retrieved 11/8/2021. Edited.
  14. Nasser bin Ali al Amari, (2) Article 4.pdf Jeddah City during Pre Islamic Period: A Historical Study, Page 35. Edited.
  15. "أشهر مساجد جدة القديمة:"، أمانة جدة، اطّلع عليه بتاريخ 11/8/2021. بتصرّف.
  16. "أشهر أسواق جدة القديمة"، أمانة جدة، اطّلع عليه بتاريخ 11/8/2021. بتصرّف.
  17. "النطق والتسمية"، أمانة جدة، اطّلع عليه بتاريخ 11/8/2021. بتصرّف.
  18. ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي شهاب الدين أبو عبد الله، معجم البلدان/الجزء الثاني، صفحة 114-115. بتصرّف.